قال عدد من خبراء البترول والاقتصاد إن قرار الحكومة برفع أسعار البنزين والسولار جنيهين للتر، رغم تراجع أسعار النفط عالميًا وتحسن سعر صرف الجنيه، يعكس ضغوطًا مالية وهيكلية داخلية، بالإضافة إلى التزامات حكومية تتجاوز التأثيرات اللحظية للعوامل العالمية.
وأكد أربعة خبراء في تصريحات لـ”خبر صح” أن العوامل الإيجابية الأخيرة لم تكن كافية لتغيير اتجاه الحكومة نحو رفع الأسعار، حيث لا تزال منظومة الطاقة في مصر تواجه تحديات تتعلق بارتفاع تكلفة الاستيراد وتراكم مديونيات قطاعي البترول والكهرباء، إلى جانب الالتزامات المفروضة من صندوق النقد الدولي بخفض دعم الطاقة تدريجيًا.
وأشار محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي وعضو المكتب السياسي بحزب العدل، إلى أن قرار رفع الأسعار في هذا التوقيت يُعتبر قرارًا اقتصاديًا أكثر منه سياسيًا.
وأوضح فؤاد أن المنظومة تعاني من خلل هيكلي يتمثل في تراكم مديونيات البترول والكهرباء وتراجع الإنتاج المحلي من المشتقات، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على الاستيراد والانكشاف المباشر على الأسعار العالمية بالعملة الصعبة.
وأضاف فؤاد أن هذا الوضع يضغط على ميزان المدفوعات والاحتياطي النقدي، ويؤدي إلى ارتفاع تكلفة الدعم، مما يجعل رفع أسعار الوقود ضرورة اقتصادية لتقليص فجوة التكلفة وتخفيف الضغط على الموازنة العامة.
وأكد مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، أن تأثير انخفاض أسعار النفط أو تحسن الجنيه على تكلفة إنتاج البنزين والسولار في مصر محدود للغاية، موضحًا أن الجزء الأكبر من المكون السعري مستورد أو يُشترى من شركات تكرير محلية تعمل بأسعار عالمية، وبالتالي لا ينعكس التراجع العالمي فورًا على التكلفة النهائية.
وأضاف أن الحكومة تسير في اتجاه تحرير أسعار البنزين بالكامل، وهو ما يجعل تحركات الأسعار المحلية مرتبطة بخطة رفع الدعم التدريجي وليس بالتغيرات اللحظية في السوق، مشيرًا إلى أن أي تحسن مؤقت في النفط أو الجنيه لن يدفع الدولة إلى التراجع عن هدف الوصول إلى السعر الحقيقي دون دعم
وقال وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن الحكومة لم تتجاهل تراجع النفط وتحسن الجنيه، لكنها استغلت العوامل الإيجابية لتقليل حجم الزيادة لا لتجنبها، مشيرًا إلى أن مخصصات دعم الطاقة في الموازنة محددة مسبقًا ولا يمكن تجاوزها، وبالتالي أي تحسن في المؤشرات يُستخدم لتخفيف العبء المالي وليس لتخفيض الأسعار.
وأوضح النحاس أن السياسة الحالية تستهدف الوصول إلى تسعير يعكس التكلفة الفعلية تدريجيًا، مع مراعاة الظروف الاقتصادية، وليس العودة إلى دعم الوقود، مؤكدًا أن التحسن في سعر الصرف أو النفط لن يغير هذا الاتجاه
وقال ثروت راغب، أستاذ هندسة البترول والطاقة، إن قرار الزيادة يتماشى مع التزامات الحكومة أمام صندوق النقد الدولي بتحرير أسعار الطاقة بالكامل بحلول نهاية 2025، مشيرًا إلى أن لجنة التسعير تعتمد على متوسط الأسعار خلال الثلاثة أشهر السابقة وليس على التغيرات الآنية، مما يجعل أثر التراجع الأخير في النفط لم يظهر بعد في معادلة التسعير.
في النهاية، يبقى من الضروري أن تتابع الحكومة خطواتها في مجال الطاقة بحذر، من خلال وضع استراتيجيات فعالة تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتعزيز الإنتاج المحلي، مما يساهم في تحقيق استقرار الأسعار على المدى الطويل، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، كما أن التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة يمكن أن يكون جزءًا من الحل، مما يسهم في توفير طاقة مستدامة بأسعار مناسبة.

